تحدثت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا عن خطة يجري تداولها بين جدران البنتاغون تهدف الى تعزيز وجود القوات الخاصة الاميركية في العالم بصورة دائمة ومنحها استقلالية ميدانية.
وبحسب ما اوردته الصحيفة فان الأدميرال وليام ماكريفن قائد القوات الخاصة البحرية التي نفذت إحدى وحداتها الغارة على منزل اسامة بن لادن وقتله العام الماضي، ويتولى الآن مسؤولية قيادة العمليات الخاصة الاميركية كلها وليس البحرية وحدها، طلب صلاحيات اضافية واستقلالية خارج إطار عملية صنع القرارات المتعارف عليها في الأجهزة الأميركية المختلفة.
وبعد نجاح الضربة المباشرة ضد بن لادن ودور قيادة العمليات الخاصة الأميركية في تدريب قوات أمنية حليفة في افغانستان والفيليبين وبلدان أخرى، يصبح من السهل ان نفهم كيف ان أصبحت قوات العمليات الخاصة التي يقودها الأدميرال ماكريفن "الأداة العسكرية المفضلة" لدى ادارة اوباما، على حد تعبير نيويورك تايمز. فإن وجود قوات العمليات الخاصة على نطاق واسع في العالم وتمتعها بقدر أكبر من الاستقلالية سيمنحها المرونة وسرعة الحركة، اللتين تتمتع بهما الجماعات المسلحة غير النظامية، التي يُراد من قيادة العمليات الخاصة ان تلاحقها.
وفي فترة ما بعد الانسحاب من افغانستان، سيكون من الأصعب سياسيا على صانعي القرار الأميركيين ان يدفعوا بقوات تقليدية كبيرة. ولكن مطاردة الإرهابيين وتدريب قوى الأمن المحلية في المناطق غير المستقرة سيتواصل، وهي مهمات تتخصص بها قوات الأدميرال ماكريفن. يضاف الى ذلك ان صانعي السياسة الأميركيين ينتظرون من قوات ماكريفن، ان تتعقب أسلحة الدمار الشامل السائبة في أي منطقة من العالم، والقيام بعمليات استطلاع وتجسس على الأرض حين لا تكون المنظومات ذات التكنولوجيا المتطورة قادرة على جمع المعلومات المطلوبة من الجو.
ولكن الأزمة المتفاقمة في سوريا يمكن ان تمثل أصعب اختبار لقوات العمليات الخاصة الاميركية وحرية التحرك التي يطلبها الأدميرال ماكريفن حتى الآن.
وكان إسقاط معمر القذافي العام الماضي، أظهر كيف يمكن للدعم العسكري الخارجي ان يحقق نتائج حاسمة باستثمار صغير يرتدي شكل عمليات سرية تنفذها قوات خاصة في حرب غير تقليدية. وإذا قرر ائتلاف من الدول العربية والقوى الغربية في النهاية ان يتدخل لاسناد الثوار السوريين فإن قوات العمليات الخاصة بقيادة ماكريفن قد تواجه أشد مهماتها تعقيدا حتى الآن.
ولم يأت تقرير نيويورك تايمز على ذكر الحرب غير التقليدية ولكن هذا الشكل من العمليات يعود في اصوله الى القوات الخاصة للجيش الأميركي في بداية الحرب الباردة وهو عنصر أساسي في تدريب القوات الخاصة. وطبقا لمبدأ الحرب غير التقليدية، فإن عملياتها بقيادة القوات الخاصة محور واحد في حملة عسكرية أوسع تتصدرها القوات التقليدية.
ولكن بعد العراق وافغانستان قد يفكر صانعو السياسة الأميركيون في خوض حروب غير تقليدية تتولاها قوات العمليات الخاصة بمفردها دون مشاركة من الجيوش النظامية. وتأخذ هذه القوات الخاصة على عاتقها المهمة الخلافية، المتمثلة بتقويض الأنظمة وتغييرها التي كانت في السابق تناط بجيوش كبيرة، كما حدث في العراق. ولكن بسبب القيود السياسية التي تلجم استخدام القوات التقليدية فان صانعي السياسة الاميركيين قد يتطلعون الى قوات العمليات الخاصة لاستخدام مهارات ترتبط بالحرب غير التقليدية في تغيير النظام.
وكان الثوار الليبيون الذين اسقطوا القذافي مسنودين بحملة من حملات الحرب غير التقليدية. وبالاضافة الى قوات خاصة بريطانية وفرنسية فان مئات من الجنود القطريين تسللوا الى ليبيا خلال القتال في صيف العام الماضي، كما افادت مجلة فورين بولسي مشيرة الى ان هذه القوات، التي رسميا لم تكن بينها وحدات اميركية، كانت تعمل في مجالات التسليح والتجهيز والتدريب والتنسيق مع طائرات حلف شمالي الأطلسي التي واصلت بمنهجية تدمير قوات القذافي.
وبعد بداية بطيئة تمكن الثوار من اسقاط القذافي ما ان توفر لهم الدعم الخارجي والغطاء الجوي من قوات الأطلسي. وحققت اساليب الحرب غير التقليدية نتيجة حاسمة بكلفة زهيدة ومخاطر ضئيلة على ما يبدو. وينظر البعض الى سوريا الآن متسائلين إن كان بمقدور الحرب غير التقليدية وعملياتها السرية ان تحقق النتيجة نفسها هناك. ويشير دعاة مثل هذا التدخل الى ليبيا بوصفها مثالا على نجاحه.
وقد يذهبون ايضا الى ان مبدأ "المسؤولية لحماية المدنيين" يجب ان يُطبق على السوريين مثلما طُبق على الليبيين. ولعلهم يذكرون ان خلع الرئيس بشار الأسد سيوجه ضربة استراتيجية موجعة الى ايران.
وسيلفت المعارضون الى ان مثل هذه الحملة تفتقر الى التفويض القانوني من مجلس الأمن الدولي بسبب معارضة روسيا والصين. كما ان نجاح الحرب غير التقليدية في ليبيا، لا يضمن نجاحها في سوريا وان الفشل يمكن ان يؤدي الى مستنقع تغوص فيه اميركا اعمق فأعمق، كما تعلَّم صانعو السياسة الأميركيون في عدة مناسبات سابقة ولكن بعد ان لم ينفع الندم.
وفي هذا الاطار يتضمن الفصل الرابع من دليل الحرب غير التقليدية المعتمد في الجيش الأميركي قائمة طويلة من الاعتبارات التي يتعين ان تؤخذ في الاعتبار قبل التخطيط لحرب كهذه وبدئها. ومن هذه الاعتبارات عوامل متعددة تحدد فرص النجاح أو عدمه لدى القيام بعميلة خاصة من عمليات الحرب غير التقليدية مثل قدرات الثوار المراد اسنادهم والقيود السياسية على التحركات الاميركية. فان ماكريفن وقواته وصانعي السياسة الأميركية، ليس هم الذين يختارون ما ينشأ من اوضاع عليهم التعامل معها، ولا يُسمح لهم دائما بالانتظار الى ان تنضج الظروف المناسبة لشكل محدَّد من اشكال العمل.
وفي آذار (مارس) العام الماضي كان تقدم طابور من دبابات القذافي صوب بنغازي هو المبرر لتدخل حلف شمالي الأطلسي، سواء أكان جاهزا أو لم يكن.
ولعل احتمال ان ينبري تنظيم القاعدة لدعم الثوار السوريين سيدفع صانعي السياسة في العالم العربي والغرب الى التحرك. وبعدما اثبتت القوات التقليدية حدود فاعليتها في العراق وافغانستان فان قائد قوات العمليات الخاصة الأميركية الادميرال ماكريفن يعلم ان عبئا كبيرا سيُلقى على عاتق قواته في الفترة المقبلة.
وهو يريد صلاحيات بمستوى هذه المسؤوليات الثقيلة. ويعرف الادميرال ما يريد حين يطلب منح قواته حرية الحركة لملاحقة الارهابيين أو تدريب قوى الأمن في بلدان اخرى تمر بأوضاع صعبة أو القيام بعمليات استطلاع خطيرة لكنها مهمة.
وسيكون من المثير ان يُعرف موقف صانعي السياسة من استخدام قوات العمليات الخاصة لدعم حركات تمرد من مصلحة الولايات المتحدة مساعدتها. إذ يعتبر هذا الدعم من اقدم العمليات الخاصة واشدها اثارة للجدل. وكانت ليبيا مثالا ساطعا على الحرب غير التقليدية كما تتحدث عنه الكتب المقررة في الاكاديميات العسكرية. ولعل سوريا هي مسرح العملية الخاصة التالية ولكنها قد تكون اصعب مهمة تواجه قيادة قوات العمليات الخاصة الاميركية حتى الآن ، بحسب مجلة فورين بولسي.