مقدسيون يحذرون من المساس بالأقصى والمقدسات الإسلامية ويتوقعون "انتفاضة المقدسات"الفلسطينيون يعلنون النفير العام
■ عبد القادر: الجماعات اليهودية وضعت حجر الأساس للهيكل المزعوم أمس بناء على نبوءة حاخام معتوه
■ صرصور: الأحداث الأخيرة تستدعي تحركا عربيا ودوليا جديا يوقف هذا الزحف الإسرائيلي المدمر قبل فوات الأوان
الحقيقة الدولية – عمان – الضفة الغربية – غزة – خاص
جلس العرب ينظرون طويلا للجرافة الصهيونية التي عاثت في الأرض والتاريخ فسادا، ودمارا، بعد أن منوا أنفسهم بأن هذه الجرافة لن تصل لأهم المقدسات الإسلامية في مدينة القدس. ولكنهم انتبهوا يوم أمس الثلاثاء على واقع فرضته هذه الجرافة الصهيونية، فأمسى أهم المقدسات الإسلامية "المسجد الأقصى" قاب قوسين أو أدنى من الهدم الكلي، وإقامة ما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه.
الجرافة الصهيونية نجحت إلى حد ما باختلاق تاريخ عبري موهوم وإخفاء معالم المسجد الأقصى المبارك وبخاصة منظر قبة الصخرة، بصفته المعلم الأوضح والأبرز في القدس وعبر جميع جهاتها، لترويض الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية على التعاطي مع المشهد الذي فرضته "الجرافة الصهيونية" فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، فإذا ما جاء أوان الهدم الصهيوني للمسجد لم ينتبه أحد من المسلمين والعرب لهذا الهدم.
كيان العدو الصهيوني باشر أمس الثلاثاء رسميا ببناء ما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم الذي يسبق بحسب الأكذوبة التوراتية الصهيونية عودة السيد المسيح وإقامة الإمبراطورية اليهودية، سبقها بيوم واحد فقط الإعلان عن افتتاح "كنيس الخراب" بالقرب من المسجد الأقصى.
ان ما يسمى بـ "كنيس الخراب" هو مشروع تهويدي من الدرجة الأولى، مرتبط ببناء الهيكل الثالث المزعوم، وهو مشروع تتبناه المؤسسة الإسرائيلية وشركات استيطانية تابعة لها، حيث أن كل من ساهم بهذا المشروع من المتبرعين الصهاينة كان يربط بين بنائه وكونه خطوة متقدمة في بناء الهيكل الثالث المزعوم.
والهيكل الثالث، مصطلح ديني يهودي يشير إلى عودة اليهود بقيادة السيد المسيح (عليه السلام) إلى "صهيون"، لإعادة بناء الهيكل في آخر الأيام. ويذهب الفقه اليهودي إلى أن الهيكل الثالث لابد أن يعاد بناؤه، وتقام شعائر العبادة القربانية مرة أخرى، ويرى اليهود أنه يتعين عليهم إقامة بناء مؤقت، وأنه يحل لليهود دخول منطقة جبل "موريا" هبة الحرم "جبل بيت المقدس".
وتأثر المسيحيون المتصهينون بأفكار التوراة خصوصا بعد ثورة مارتن لوثر الذي ربط بين العهدين، القديم والجديد من الكتاب المقدس، فالنصرانية في نظرهم امتداد لليهودية، وما تنظر إليه التوراة بعين التقديس، ينبغي لأصحاب العهد الجديد (الإنجيل) أن يقدسوه كذلك.
هذا الانسياق المسيحي المتصهين وراء الدعاوى اليهودية تضمنه التقرير الذي تقدمت به اللجنة المختصة ببحث علاقة اليهود بالكنيسة، لدى انعقاد المجمع العالمي الثاني للكنائس المسيحية في "افانستون" عام 1954، ويعتقد المسيحيون الصهاينة أنه لابد من حدوث بعض الأمور كمقدمة لهذه العودة، منها أن تصبح "إسرائيل" دولة، بحدودها التوراتية من النيل إلى الفرات، وأن تكون القدس عاصمتها، وأن يعاد بناء الهيكل الثالث، وهو ما يجري اليوم.
ويعتقدون وفقا للرؤية التوراتية أن العالم يقترب من نهايته، والمعركة النهائية الفاصلة مقبلة، وستدور رحاها في "الشرق الأوسط" وتحديدا في مجدو "غربي نهر الأردن".
وبناء على هذه النصوص وغيرها، تكونت خلفية ثقافية لدى الغرب كله، تؤكد نهاية العالم وقيام إمبراطورية بني صهيون الكبرى وهدم المسجد الأقصى، وبناء هيكل سليمان تمهيدا لظهور السيد المسيح.
انتفاضة فلسطينية
وفي أول أيام النفير الفلسطيني لحماية المسجد الأقصى، أصيب أكثر من 50 فلسطينيا بجراح واعتقل آخرون خلال المواجهات التي شهدتها مدينة القدس وعدد من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما توقفت الحركة تماما في قطاع غزة "تضامنا" مع المسجد الأقصى، الذي تعرض إلى اعتداءات الجماعات اليهودية المتطرفة. وشهدت مدن القطاع ومخيماته مظاهرات جماهيرية تعيد إلى الأذهان المرحلة الأولى من اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول 2000.
وتركزت المواجهات في القدس بمخيم شعفاط ووادي الجوز والعيسوية وسلوان، وعدد من أحياء من البلدة القديمة وخاصة في حارة حطة والسعدية وشارع الواد وباب المجلس وجميعها ملاصقة للمسجد الأقصى.
وحذرت شخصيات فلسطينية في تصريحات خاصة لإذاعة "الحقيقة الدولية" من إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المساس بالمسجد الأقصى المبارك بعد وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم وافتتاح "كنيس الخراب" خلال اليومين الماضيين.
وأكد حاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس بحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بان الوضع في مدينة القدس المحتلة مشتعل ولا يحتمل أي شرارة.
وقال عبد القادر في تصريح خاص لـ "الحقيقة الدولية" ان كيان العدو الصهيوني إذا أراد إشعال الوضع والمنطقة، فهو يتحمل المسؤولية الكاملة. وأضاف عبد القادر أن الجماعات اليهودية وضعت حجر الأساس للهيكل المزعوم أمس بناء على نبوءة حاخام وصفه بالمعتوه.
وحذر عبد القادر كيان العدو الصهيوني من السماح لأي متطرف باقتحام وتدنيس المسجد الأقصى، ووجه نداء للمواطنين للتواجد في المسجد الأقصى في هذه الأيام لمنع أي تهديد صهيوني له.
وقال زياد الحموري مدير مركز القدس للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، في تصريحات خاصة لـ "الحقيقة الدولية" ان الشارع المقدسي يعيش الآن حالة غليان على ما يقوم به كيان العدو الصهيوني، وقد يؤدي ذلك إلى انفجار انتفاضة كبيرة شبيهة بالانتفاضة الفلسطينية عام 1987، تقوم اليوم تحت مسمى "انتفاضة المقدسات".
وتوقع الحموري أن تقدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام للمسجد الأقصى بشكل كبير أو الاستيلاء على جزء منه أو هدم جزء منه لوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم.
وأضاف الحموري أن دولة الاحتلال تهدف بافتتاح كنيس الخراب إلى جعله ابرز معلم موجود بالقدس حيث أن قبته البيضاء أعلى من قبة الصخرة المشرفة وتحجبها أيضا عن العيون وإذا ما نظرت إليها من جهة أخرى فالقبة تحجب كنيسة القيامة وبالتالي هناك استهداف واضح للمعالم الإسلامية والمسيحية في القدس.
وحذر الحموري كيان العدو الصهيوني الذي يمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى من الإقدام على مثل هذه الخطوة حيث أن الشارع المقدس يغلي وقد ينفجر في أي لحظة.
استهتار صهيوني
واستنكر الشيخ إبراهيم صرصور رئيس الحركة الإسلامية ورئيس القائمة الموحدة والعربية للتغيير، التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في مدينة القدس والأقصى المبارك، معتبرا ما يجري بأنه "محاولة إسرائيلية لفرض سياسة الأمر الواقع منعا لأية تسوية لتقسيم المدينة، وضمانا لأكثرية يهودية تجعل من إمكانية أن تكون القدس الشرقية يوما عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة أمرا مستحيلا".
وقال: "عودنا الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 على انتهاك كل الحقوق الفلسطينية وعلى كل الأرض الفلسطينية وعلى رأسها مدينة القدس الشريف، إلا أن ما يجري في هذه الأيام من اشتداد لهجمة الاحتلال وفي جميع الاتجاهات: من استيطان، وتهجير، وهدم، وحصار، وحفريات، ومصادرة أراض وطرد لسكان القدس وإحلال عتاة المستوطنين مكانهم، والتي جاءت مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جون بايدين، تدل كلها على مدى إصرار إسرائيل على تحدي الشرعية والإرادة الدولية، وإمعانها في إهانة الأمتين العربية والإسلامية، وعمق تمردها على مرجعيات عملية السلام، واستهتارها بكل الجهود المبذولة دوليا لإعادة المفاوضات على أسس واضحة وجدول زمني محدد".
وأضاف: "ما من شك في أن إسرائيل وهي ترتكب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والقانون الدولي، إنما تفعل ذلك لاطمئنانها للموقف الدولي الذي لم يتجاوز ولا يريد أن يتجاوز حد استنكار خجول لممارسات إسرائيل، نحو اتخاذ إجراءات صارمة تضع حدا ولمرة واحدة للاحتلال وجرائمه من جهة، ولثقتها أنها مهما فعلت في القدس والأقصى وفلسطين فلن يخرج العرب والمسلمون عن صمتهم، ولن يرفعوا يدا في وجهها.
وأكد على أن "الأحداث الأخيرة تستدعي تحركا عربيا ودوليا جديا يوقف هذا الزحف الإسرائيلي المدمر قبل فوات الأوان. كما ويستدعي منا نحن المجتمع العربي في الداخل تكثيف دعمنا للقدس والأقصى وعلى جميع المستويات، وعليه أدعو كل جمعياتنا الناشطة في هذا المجال وعلى رأسها (جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات) إلى وضع خطط طوارئ في حدود الممكن والمستطاع لتنظيم أعمال الدعم البشري والمادي والمعنوي للقدس وأهلها، لعلنا نعذر أمام الله والتاريخ".
وقال الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين الداخل ان "افتتاح أكبر كنيس يبنيه اليهود بعد الهيكل الثاني، يسمى كنيس "هاحوربا" باللغة العبرية، أي كنيس الخراب، يبتعد عشرات الأمتار عن الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك، له دلالات كبيرة وخطيرة على مستقبل مدينة القدس، خاصة إذا ما تم الوقوف عند ما تتحدث عنه الجهات الإسرائيلية من أن حاخامًا إسرائيليًا عاش في العام 1750م، وكتب يومها متنبئا كما يزعمون أن يوم إعادة افتتاح كنيس الخراب هو يوم إعادة بدء البناء في الهيكل الثالث، ما يشير إلى أن يوم 15 آذار يبدو أن له دلالات لدى المجتمع الإسرائيلي، خاصة إذا ما أشرنا إلى أن شهر آذار وبدايات شهر نيسان هي أيام أعياد مميزة عند اليهود، وخاصة عيد الفصح".
وذكر الخطيب انه في عيد الفصح العام الماضي كان هناك اقتحام كبير من قبل اليهود للمسجد الأقصى المبارك، وبالتالي فإننا بين يدي مشاهد كلها مخيفة ومرعبة، وتشير إلى أن مستقبل القدس ما زال غامضًا إذا ما تم التأكيد على أن هذا العام فعلاً هو عام مفصلي، فإسرائيل تريد فيه وضع النقاط على الحروف فيما يخص الأقصى المبارك ومدينة القدس.
وضع متأزم
وقال شاهد عيان من داخل المسجد الأقصى في حديث خاص لإذاعة "الحقيقة الدولية" ان البلدة القديمة تعيش انتفاضة شاملة ضد كيان العدو الصهيوني وانتصارا للمسجد الأقصى المبارك.
وأكد المواطن المقدسي حسن عبده وقوع إصابات عديدة في صفوف الفلسطينيين في منطقة وادي الجوز.
وأضاف عبده أن صباح أمس الثلاثاء شهد تطورات في المواجهة في كل مناطق البلدة القديمة في شارع الواد وحارة السعدية ووادي الجوز وباب العامود. وأشار إلى أن قوات الاحتلال الصهيوني قامت بحصار البلدة القديمة ومنعت دخول أي مواطن ليس من سكانها.
وأكد محافظ القدس فيصل الحسيني في حديث خاص لبرنامج "شهود عيان" الذي تبثه إذاعة "الحقيقة الدولية" أن الأقصى سيكون بخير طالما أن المرابطين موجودون حوله ويتصدون لكل عدوان إسرائيلي على المقدسات.
وأضاف أن المئات من القوات الخاصة والشرطة الإسرائيلية تمنع المقدسيين من دخول المسجد الأقصى، كما تقوم بتعطيل حركة الناس وتعطيل نشاطهم الاقتصادي.
ولفت الخطيب إلى أن الاشتباكات تحصل بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصهيوني كلما حاول الفلسطينيون الذهاب لعملهم أو الرجوع لبيوتهم نتيجة إغلاق قوات الاحتلال الطرق.
ونوه إلى أن المستوطنين الصهاينة يمارسون حربا نفسية ضد الشعب الفلسطيني بهدف إضعاف إرادته في القدس من خلال إحضار حجارة للقدس لبناء الهيكل المزعوم.
وقال القيادي في حركة فتح عباس زكي إنه آن الأوان بعد أن بلغ الأمر ذروته بإقامة كنيس الخراب والبدء ببناء الهيكل الثالث المزعوم أن يصحو كل فلسطيني من حماس وفتح وغيرهما لرأب الصدع والدفاع عن هذه الأرض المقدسة، ولا يجوز إعطاء كيان العدو فرصة لأن يبقي الكرة في المرمى الفلسطيني بل لابد للأخوة في حماس من ان يسارعوا للتوقيع على ورقة المصالحة المصرية.