موضوع: مقال رائع جدا يبحث في عالمية المحاسبة ..... الأحد مارس 24, 2013 2:47 am
بسم الله الرحمن الرحيم مقالة للدكتور / يحيى محمد أبو طالب
أستاذ المحاسبة المالية بكلية التجارة جامعة عين شمس وكيل كلية الدراسات العليا بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية ( سابقاً ) رئيس قسم الاقتصاد والقانون والتنمية الإدارية بمعهد البحوث والدراسات البيئية (سابقاً) زميل جمعية المحاسبين والمراجعين المصرية ــ*#*#*#*ــ بعنوان عالمية المحاسبة
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين أجمعين صلى الله عليه وسلم
بـــدأت المحاسـبة كمهنـة في أول الأمـر مثلهـا مثل سـائر المهن كالطـب والهندسة والمحاماة ، حيث ظهرت أولى إجراءات العمل المحاسبي منذ أكثر مـن 4500 سنة قبـل المـيلاد ، فمنذ عـرف الإنـسان القـراءة والكتابـة مـارس العمـل المحاسبي ، فخوفـا مـن الخطـأ والنـسيان سجل مـا لـه ومـا عليـه أي قـام بعـمليـة التسجيل و هي أولى إجراءات المحاسبة ، كمـا تم التسجيل بالتكلفـة التاريخية وهو يمثل أحد أهم الفروض المحاسبية الأساسية ، والجـدير بالذكر أن كـل مـن عمـليـة التسجيل فـي الدفاتر والتسجيل بالتكلفة التاريخية ما تزال قائمـة حتـى الآن .
وقـد مـرت مهنة المحاسبة بعقـود طويلـة دون أن يطـرأ عليهـا أي تطـور حيث لم يكن هناك حاجـة إلـى أكثر من عملية التسجيل في الـدفاتر و التـمسك بالقيم التاريخيـة ، ثــم تطـورت الحيـاة الاقتـصـاديـة وبـدأت تظهــر المنـشـآت الفرديـة ، فظهـرت نظريـة القيد المزدوج عـام 1494 ميلادية على يـد عـالم إيـطالي يـدعى ( لوكاباسيلو) ، حيث أصـدر كتـاب في الرياضـيـات تـضـمن جـزء منـه نظـرية القيد المزدوج ، والذي يقضي بأن لكل عمليـة ماليـة طـرفان طـرف مـدين وطـرف دائـن و لا بـد و أن يتـساوى الطـرف المـدين مـع الطـرف الـدائن ، والملفـت للنظـر أن القـيد المـزدوج مـا زال صـالحاً للتطبيـق حتـى الآن ، بـل يعتبـر أحـد أهـم الفـروض المحاسبية ، ومع بدايات القرن الثامن عشر ومروراً بالقرن التاسـع عشر ظـهـرت شـركات الأشـخاص فقابلتهمـا نظـريـة الملكـيـة حيث انـدمـاج شخصـيـة المنـشأة مـع أصـحاب المنـشأة وقـد ظـهر العديـد مـن إجـراءات وأساليب المحاسبة المـهنيـة التـي تـلائم التطـورات الاقتصـاديـة والصـناعيـة فـي ذلك الوقت . وهكـذا تتطـور مـهنة المحاسبة لمواجهـة احتياجـات المجتمـع ، فمع كـل تطـور اقتصادي أو صـناعي تظـهر إجراءات محاسبيـة تلائم احتياجات هذا التطور و الدليـل علـى ذلـك أن ظهور إهـلاك الأصـول الثابتـة ومخصـصاتهـا لـم يظـهـر إلا مـع بداية الثورة الصـناعية وإنشاء السكك الحديدية وظهور المصانع .
ودون التوسـع فـي سـرد تطـور المحاسبة كمهنة خـلال القـرنين الثـامن والتـاسـع عشـر فـإن بدايـة ظهـور المـحاسـبة كعلـم بـدأت مـنـذ أوائـل القـرن العـشرين وتحديـداً فـي العقـد الثالـث من القـرن العـشـرين ، عندما ظـهـرت شـركات الأمـوال وبصـفة خـاصة الشركات المساهمة ، فقد قابل هذا التطور في أشكال المنشآت بنـاء نظـريـة المحاسبة نتيجـة ظـهـور الشخصـية الاعتبارية المستقلة للمنشأة ، فظـهـرت كتابات وبحوث علماء المحاسبة في الثلاثينات من القرن العشرين حيث قدم العديـد مـن علماء المحاسبة أمثـال ( poton and Littleton ) وآخـرين دراسـتهـم حـول إيجاد نظـرية للمحاسبة ترقـى بهـا إلـى صـفوف العلوم الأخرى .
هكذا بدأت المحاسبة كعـلـم يـؤثر علـى مهنـة المحاسبة أكثر من تـأثيـر المـهنـة علـى العلـم ، نتيجـة لـذلك ظـهـرت الفـروض المحاسبية كـفـرض الوحـدة المحاسبية والاستمرارية والـسنوية والاستـحقاق كمـا ظـهرت الـسياسات المحاسبية لـمـعالجـة المـشاكل المحاسبية كظـهـور تقيـيم المخـزون بالتكلفة أو ( صـافي القيمـة البيعية ) أيهمـا أقـل ، وغيـر ذلـك مـن السياسات المحاسبية ، وهو ما عرف بالأصول المحاسبية المتعارف عليها ، واستمر تأثير نظرية المحاسبة على مهنة المحاسبة حتى أوائل الستينات من القرن العشرين ، حيث ظهرت عدة انتقادات عن دور المحاسبة في المجتمع باعتبارها مهنة تقدم قوائم مالية ، فما هي فوائد هذه القوائم المالية التي تقدمها المحاسبة طالما أنها لا تساعد أطراف المجتمع في عقد المقارنات وسلامة اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية أي ترشيد القرارات الاقتصادية ؟
وحقيقة لم يكن للمحاسبة دور مهني واضح ومفيد طالما أن القوائم المالية المعدة والمقدمة للأطراف الخارجية بنيت على أساس مطاط غير محدد وغير كامل ألا وهو ( الأصول المحاسبية المتعارف عليها ) حيث لن تساعد المحاسبة الأطراف الخارجية من اتخاذ قرارات مالية رشيدة طالما أنها بنيت على قاعدة مطاطية غير محددة وغير كاملة ، كما أن ما هو متعارف عليه هنا قد لا يكون متعارف عليه هناك ، وما هو متعارف عليه الآن قد لا يكون متعارف عليه من قبل ، أو بعد ذلك ، حيث لم يظهر إطار محدد وشامل لتلك الأصول المتعارف عليها . واعتقد أن علم المحاسبة لم يقدم حل عملي لهذه المشاكل ، وإنما جاء الحل من مهنة المحاسبة نفسها ، فكأن المحاسبة بدأت كمهنة ثم تطورت إلى علم ثم بدأت المهنة تطغى على علم المحاسبة مرة أخرى فمنذ أوائل السبعينات حينما تأسـست حينما تأسست لجنة معايير المحاسبة الدولية في 29 يونيو 1973 لتصدر معايير محاسبية يتم تطبيقها على النطاق الدولي ، حيث ظهر أول معيار محاسبي دولي عام 1975 وكان عنوانه( الإفصاح عن السياسات المحاسبية ) كان بداية لتدخل مهنة المحاسبة في تطوير المحاسبة كمهنة أوضح من تدخل عـلمـاء المحاسبة في تطويرها نحو خدمة المجتمع .
هكذا بدأت مهنة المحاسبة عن طريق إصدارها للمعايير المحاسبية تتجه نحو تلبية احتياجات المجتمع والمتمثلة في تقديم قوائم مالية ، تقدم للاستخدام العام تساعد في ترشيد القرارات الاقتصادية لأطراف المجتمع المالي ، وبعيدا عن التطورات التي طرأت على لجنة معايير المحاسبة الدولية وتعديل أسمها إلى لجنة معايير التقارير المالية الدولية اعتبارا من أول يناير 2005 إضافة إلى التعديلات التي طرأت على معايير المحاسبة الدولية وإصدار معايير جديدة تحت مسمى معايير التقارير المالية الدولية ، كل هذه التطورات وغيرها في مجال المحاسبة والمراجعة وآداب السلوك المهني يعبر عن وجهة نظري والمتمثلة في عودة أخرى إلى سيطرة المحاسبة كمهنة أكثر من كونها علم ، وهكذا يمكنني أن أؤكد أن المحاسبة بدأت كمهنة ثم تطورت إلى علم ثم رجعت مرة أخرى كمهنة عن طريق إصدار المعايير المحاسبية الدولية أو معايير التقارير المالية الدولية .