تعتبر الحدود التركية - السورية سلاحا ذا حدين بالنسبة للمعارضين السوريين الذين يهربون من خلالها إلى «المناطق الآمنة» ويدخلون عبرها المواد التموينية والطبية إلى السوريين المحاصرين بفعل الاشتباكات والمواجهات التي تجري في الشمال السوري. غير أن الإحساس بالأمان لا يزال مفقودا لدى السوريين، رغم فرارهم إلى الأراضي التركية، فقد أثبتت التجارب أن يد الاستخبارات السورية والعسكر أيضا طويلة في الداخل التركي، وتحديدا في مقاطعة هاتاي التي يتحدر سكانها من أصول عربية، وتتمتع بتركيبة جغرافية وديموغرافية مطابقة للداخل السوري.
وعلى الرغم من الاتهامات السورية لتركيا بتسليح المعارضين وتمرير الرجال والعتاد عبر الحدود إلى سوريا، فإن الواقع يشير إلى أن اليد السورية لا تزال طويلة بعد سلسلة من الحوادث التي تتكتم عليها السلطات التركية، وآخرها ليل أول من أمس عندما لاحق جنود سوريون أحد المعارضين وقتلوه داخل الأراضي التركية، والأغرب أن حادثة قتل مماثلة حصلت في وقت سابق أمام أحد المخافر الحدودية التركية.
ولا تزال حادثة اختطاف الملازم المنشق حسين هرموش أحد مؤسسي الجيش السوري الحر من مخيم «ألتن أوز» في جنوب تركيا وتسليمه إلى السلطات السورية أبرز الدلائل على النفوذ السوري، حيث تجرى حاليا محاكمة 5 أشخاص أتراك الجنسية بتهمة التعامل مع الاستخبارات السورية وتسليمها مواطنين اثنين كانا على الأراضي التركية أحدهما الملازم هرموش.
وروى ضابط في الجيش السوري شارك في إحدى عمليات «العبور» هذه لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل العملية، بعد أن انشق عن الجيش السوري مؤخرا. فأكد الضابط وهو برتبة مقدم أن الجيش السوري النظامي اخترق الحدود التركية ثلاث مرات وطارد ناشطين سوريين وقتلهم داخل الأراضي التركية.
وكشف الضابط الذي رفض ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «آخر اختراق من قبل الجيش السوري للحدود التركية كان مساء أول من أمس، عندما دخلت قوة من 15 جنديا بقيادة العقيد محمود طه صبحة من داخل بلدة خربة الجوز السورية الحدودية، حيث جرت مطاردة الناشط مصطفى الحاج محمد وقتله داخل الأراضي التركية»، مشيرا إلى أن «الجيش التركي لم يحرك ساكنا ردا على اختراقات الجيش السوري لسيادة أراضيه».
وأشار الضابط إلى أن «المرة السابقة كانت قبل نحو ثلاثة أسابيع، عندما تقدم النقيب مصطفى شديد مع 13 عنصرا واخترقوا الحدود التركية من داخل بلدة عين البيضاء السورية، وأقدموا على تصفية عدد من الناشطين السوريين بينهم الشاب عبد السلام حسون الذي قتل أمام مخفر للشرطة التركية، بعدما تسللوا بين أشجار السرو الكثيفة».
وقال «الاختراق الأول حصل قبل شهرين، وكنت أنا ضابطا في صفوف الجيش النظامي قبل أن أنشق عنه، وكانت الوحدة المهاجمة برئاسة العميد رمضان محمود رمضان، وقد اقتحمنا بلدة عين البيضاء السورية الواقعة تماما على الحدود التركية، وكان معنا 11 دبابة وما بين 30 و40 سيارة أمن مدججة بالسلاح، وبعدما تمركزنا على الحدود أقدم العقيد محمود صبحة والنقيب مصطفى شديد على تخطي الحدود مع جنود تابعين لهم ودخول الأراضي التركية مطاردين ناشطين فروا من عين البيضاء وقتلوا أحدهم، وكنت يومها أنسق سرا مع الثوار وأبلغت العميد رمضان بأنه لدي معلومات بأن مجموعة من الثوار مدججين بالسلاح وقذائف الـ(آر بي جي) سيفذون هجوما انتقاميا ردا على مقتل الناشطين، عندها أعطي الأمر بالانسحاب من المنطقة فورا».
وأوضح المقدم المنشق أنه قبل انشقاقه «حضر العقيد محمود صبحة على رأس قوة إلى الحدود التركية، واستولى على أكثر من عشر سيارات حديثة معظمها رباعية الدفع، وأهدى عددا منها إلى ضباط أعلى منه رتبة ليكسب ودهم، في حين أحرق عددا كبيرا من السيارات القديمة انتقاما من أهالي بلدة عين البيضاء لأن معظم أبنائها من الثوار».
ورفضت مصادر تركية رسمية التعليق على هذه المعلومات، مشيرة إلى أن هناك «معطيات» عن تعرض ناشطين سوريين لعمليات ترهيب واختطاف، وأن السلطات تجري التحقيقات اللازمة بشأنها. وأشارت المصادر إلى مخطط تركي لنقل المخيمات السورية المنتشرة في منطقة هاتاي إلى منطقة حدودية أخرى بعيدة عن أنطاكيا، التي يبدو أن الاستخبارات السورية تعمل فيها بنشاط ملحوظ نتيجة العامل الديموغرافي. ورفض المصدر الاتهامات بأن بلاده «تتهاون في أمن السوريين»، مؤكدا أن «ضيوف تركيا هم كالمواطنين تماما».
وتمتد الحدود التركية - السورية على مسافة تتخطى الـ900 كيلومتر، هي بغالبيتها حدود غير مسيجة وغير ملغمة، بعد أن قامت السلطات التركية خلال السنوات الخمس الماضية بإزالة حقول الألغام التي كانت مزروعة في الجانب التركي منها نتيجة تحسن العلاقات بين البلدين.