في عهد رسول الله محمد
عندما وصل النبى محمد صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة في ربيع الأول من العام الأول من هجرتهِ، تحفه جموع المسلمين من المهاجرين والأنصار، فبركت الناقة في أرض تقع في وسط المدينة، فاشتراها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أهلها واختارها لتكون مسجداً يجتمع المسلمون فيه لأداء صلواتهم وعباداتهم، وشرع مع أصحابه في بنائه. كان طوله سبعين ذراعاً، وعرضه ستين ذراعاً، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضاً. وجعل أساسه من الحجارة والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وجعل له ثلاثة أبواب، وسقفه من الجريد. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلّم يبني معهم اللَّبِن والحجارة.
روى البخاري قصة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا، فقال: يا بني النجار ثامِنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة[2].
ولما ازدحم المسجد وكثر المسلمون قام النبي صلى الله عليه وسلّم بتوسيعه، وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعاً وفي عرضه كذلك،
[عدل] توسعة المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
كانت أعدد المسلمين في المدينة تزداد يوما بعد يوم نتيجة الهجرة إليها، فضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين، وعندها قرر النبي صلى الله عليه وسلم زيادة مساحته، وبالفعل بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر وذلك في السنة السابعة بتوسعة المسجد الشريف فزاده أربعين ذراعاً في العرض وثلاثين ذراعاً في الطول، حتى أصبح المسجد مربع الشكل مائة ذراع في مائة ذراع. مع بقاء المسجد على حده الأول من جهة القبلة. وكان عثمان بن عفان هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي صلى الله عليه وسلّم[3].
[عدل] توسعة المسجد في عهد عمر بن الخطاب
لما كثر عدد المسلمين نتيجة للفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة الإسلامية قام الخليفة عمر بن الخطاب بتوسعة المسجد النبوي الشريف، وكانت أول توسعة للمسجد النبوي بعدما بناه ووسعه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن أبا بكر الصديق لم يضف على مساحة المسجد شيئاً، فقد انشغل أبو بكر بالأحداث التي نتجت عن وفاة الرسول الكريم، غير أنه جدد الأعمدة النخلية التي نخرت. ففي العام السابع عشر من الهجرة (17 هـ) قام الخليفة عمر بن الخطاب بإجراء عمارة كبيرة في المسجد النبوي الشريف، فزاده من الناحية القبلية بمقدار اسطوانة بنحو عشرة أذرع ومن الغرب بمقدار اسطوانتين بنحو عشرين ذراعا وزاد في الشمال نحو ثلاثين ذراعا فصار طول المسجد 140 ذراعا وعرضه 120 ذراعا وبناه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد والسعف وجذوع النخل وجعل ارتفاعه أحد عشر ذراعا وجعل له سترة بارتفاع ذراعين أوثلاثة .
[عدل] توسعة المسجد في عهد عثمان بن عفان
لم تعد الزيادة التي بناها عمر بن الخطاب تكفي فقد ضاق المسجد بالمصلين والزوار فقام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بتوسعة المسجد النبوي ، وكان ذلك عام 29هـ حيث زاده من جهة القبلة والشمال والغرب وأشرف على البناء بنفسه فبناه بالحجارة المنقوشة والجص وغطى سقفه بخشب الساج وجعل معظم أعمدته من حجارة منقوشة وبعضها من الحديد والرصاص وبنى المقصورة على مصلاه من لبن وجعل فيها طيقاناً ينظر الناس منها إلى الأمام وكان يصلي فيها خوفاً من الذي أصاب عمر، وكانت زيادته من الجهات الثلاثة بمقدار عشرة أذرع من جهة القبلة وعشرين ذراعا من جهة الشمال وعشرة أذرع من جهة الغرب ولم يزد من الناحية الشرقية لمكان حجرات أمهات المؤمنين. وفرغ منه سنة 30هـ وبقي المسجد النبوي على زيادة عثمان بن عفان حتى كان عهد الدولة الأموية.
[عدل] توسعة المسجد في العهد الأموي
استمر المسجد على ما هو عليه كما بناه الخليفة عثمان بن عفان حتى جاء الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك فرأى إحداث زيادة أخرى مع إعادة بناء المسجد النبوي الشريف، فأمر واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز ببناء المسجد من جهاته الأربع[4]وتوسعته وبدئ بالبناء سنة 88[5] وانتهت سنة 91 هـ فبدأ عمر بن عبدالعزيز وأدخل حجرات أمهات المؤمنين في المسجد، وكان بناؤه من الحجارة المنقوشة وسوارية من الحجارة المنقورة وقد حشيت بعمد الحديد والرصاص. وعمل سقفان للمسجد السقف العلوي والسفلي، فكان السقف السفلي من خشب الساج. وجعل للمسجد أربع مآذن فكان الوليد بن عبد الملك أول الخلفاء الذي أدخل الحجرة الشريفة في المسجد، وقد زاده من جهة الغرب نحو عشرين ذراعا ومن جهة الشرق نحو ثلاثين ذراعا وزاد فيه أيضا من جهة الشمال نحو عشرة أذرع. وقد عاصر إدخال قبور النبي وأبي بكر وعمر في المسجد النبوي عدد من الصحابة، منهم[6] :
أنس بن مالك، توفي سنة 90 هـ.
عبد الله بن بسر المازني، توفي سنة 96 هـ.
يوسف بن عبد الله بن سلام، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.
أبو الطفيل عامر بن واثلة، توفي سنة 100 هـ.
عبد الله بن ثعلبة، توفي سنة 89 هـ.
محمود بن لبيد الأنصاري، توفي 98 هـ.
عبد الله بن ثعلبة العذري، توفي سنة 89 هـ.
المقدام بن معدي الكندي، توفي سنة 87 هـ.
[عدل] توسعة المسجد في العهد العباسي
استمرت عناية الخلفاء بالمسجد النبوي الشريف فقاموا بإصلاحات وترميمات إلا أن الزيادة في المسجد بقيت على عهد الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، حتى جاء الخليفة العباسي المهدي للحج وزار المدينة ورأى ما عليه المسجد النبوي فأمر بعمارة شاملة له وتوسعته فزاد فيه من الناحية الشمالية فقط وكان ذلك عام 161هـ واستمرت أربع سنوات حتى انتهت عام 165 هـ وكان مقدار الزيادة مائة ذراع ، وقد حدثت في العصر العباسي مجموعة من الترميمات والإصلاحات مثل تجديد بعض الأرضيات وتوسعتها، وإصلاح السقف من جهة القبر النبوي الشريف، وعمل وزرة رخام بارتفاع 1.75م، وتبليط الأرض بالرخام الأبيض، وتكسية بالفسيفساء لبعض حوائط المسجد مع ترميم هذه الحوائط، وت______ية الحوائط الخارجية للقبر النبوي بالرخام.
[عدل] الإصلاحات والتوسعات للمسجد في عهد المماليك
وفي عام 654 هـ احترق المسجد النبوي الحريق الأول فقام الخليفة العباسي المستعصم بالله في عام 655 هـ وبدأ بعمارة المسجد النبوي الشريف إلا أنها لم تتم بسبب غزو التتار واستيلائهم على بغداد وقتل الخليفة العباسي وتولى سلطان مصر واليمن إكمال ذلك المشروع وقد كان للسلطان الظاهر بيبرس دورا بارزا في ذلك فقد كمل سقف المسجد سقفا فوق سقف كما كان سابقا قبل الحريق وبهذا ينتقل أمر المدينة إلى ملوك مصر المماليك وقاموا ببعض الأعمال في المسجد النبوي الشريف .
وفي شهر رمضان من عام 886هـ احترق المسجد النبوي الحريق الثاني فشرع الأشرف قايتباي بعمارة شاملة للمسجد النبوي الشريف وتم توسعته بمقدار ذراعين وربع وذلك من الجانب الشرقي مما يلي المقصورة وعمل للمسجد سقفا واحدا ارتفاعه اثنان وعشرون ذراعا وتم تسقيف المسجد عام 888هـ وتمت عمارة المسجد حوالي عام 890هـ .
[عدل] الاصلاحات والتوسعات للمسجد في العهد العثماني
أولى العثمانيون عنايتهم بالمسجد النبوي كغيرهم من الخلفاء والسلاطين فكان السلطان سليمان القانوني أول من عمل إصلاحات في المسجد النبوي الشريف من العثمانيين ، فقام بعمل بعض الترميمات والإصلاحات وذلك عام 940هـ وكذلك عام 947هـ حيث قام بعمل ترميمات وتجديدات للمسجد النبوي أكبر وأشمل من سابقتها .
وقد قام عدد من السلاطين العثمانيين بإجراء عدة إصلاحات للمسجد النبوي. وفي عام 1265هـ قام السلطان عبد المجيد بعمارة لكامل المسجد النبوي والتي تعتبر العمارة الرئيسية في عهد العثمانيين واستمرت حتى عام 1277هـ فكان العمال يهدمون جزءا ثم يبنونه حتى لا تتعطل الصلاة في المسجد وهكذا إلى أن تناولت العمارة للمسجد كله عدا المقصورة وما فيها والمنبر الشريف والجدار الغربي والمحراب النبوي والمحراب العثماني والمحراب السليماني والمنارة الرئيسية فأبقوها على حالها لإتقانها وحسن صنعها.
وسعة المسجد في العهد السعودي
أولت الحكومة السعودية المقدسات الإسلامية عناية ورعاية منذ عهد مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز وحتى وقتنا الحاضر ومن هذه المقدسات المسجد النبوي الشريف فقد نال حظا وافرا من العناية والرعاية لم يشهده في عصور سابقة فالتوسعات التي مرت على هذا المسجد في العهد السعودي تع______ مدى الإهتمام والرعاية التي نالها من قادة هذه البلاد وفيما يلي توضيح للتوسعات:
مع تزايد أعداد المسلمين الذين يقصدون الديار المقدسة لأداء مناسك الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة أصبح المسجد النبوي الشريف يضيق بزواره وهذا ما جعل الملك عبد العزيز يذيع للعالم الإسلامي بيانا أعلن فيه اعتزامه وبعون الله وتوفيقه تنفيذ مشروع توسعة الحرمين الشريفين بدءا بالمسجد النبوي الشريف. وهي تعتبر أكبر توسعة مرت على المسجد حتى ذلك الوقت حيث بلغ مساحتها ( 6024م ). والمساحة التي أزيلت في عمارة السلطان عبد المجيد هي ( 6247م )، فتكون مساحة العمارة السعودية ( 12271م ). وقد بدأ الهدم في ( 5/شوال / 1370هـ ) ، وانتهى البناء عام( 1375هـ ) في عهد الملك سعود بن عبد العزيز.
وبعد هذه التوسعة أصبحت مساحة المسجد ( 16327م )، وأقيمت هذه العمارة من الخرسانة المسلحة من أعمدة تحمل عقود مدببة، وقُسِّم السقف إلى مسطحات مربعة، شُكِّلت على أنماط الأسقف الخشبية، وعمل للأعمدة المستديرة تيجان من البرونز زخرفت بزخارف نباتية، و______يت الأعمدة بالموزايكو، وغطيت قواعدها بالرخام، وأقيم مئذنتان في الجهة الشمالية ارتفاع الواحدة ( 70 ) متراً .وطول الجدار الشرقي الغربي ( 128) متراً والشمالي ( 91) متراً.
ولم يمض وقت طويل على هذه التوسعة حتى ضاق المسجد بالمصلين فتم هدم البيوت الواقعة شمال وغرب الحرم عام ( 1393هـ ) في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز وجعل عليها مظلات لحماية المصلين عن الشمس، محاطة بسور، وتم تبليطها بالرخام وأنارتها وتهويتها. وتبلغ مساحتها ( 30406م ).
وفي عهد الملك خالد بن عبد العزيز هدم جزاء آخر من البيوت غرب المضلات، بمساحة قدرها ( 32401م ) وذلك عامي ( 1398/1399هـ ) وأضيفت إلى المظلات على نفس التصميم. فبلغت المساحة الإجمالية للمظلات( 62807م ).
وفي شهر صفر من عام 1405 للهجرة قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بوضع حجر الأساس لأكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف . وفي شهر محرم من عام 1406 للهجرة بدئ بالعمل فعليا في مشروع توسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف . وكان من الضروري تأمين المساحة اللازمة لهذا المشروع الكبير فتم نزع ملكية ما يزيد عن (100.000) متر مربع من ملكيات الأراضي المجاورة للمسجد النبوي الشريف والتي كان يشغلها بعض المباني العالية وغيرها من المباني العادية والشعبية إضافة إلى بعض من المساحات الخالية . وقد تم تعويض أصحاب هذه الملكيات تعويضا كاملا . ويشتمل مشروع توسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف على إضافة مبنى جديدا بمساحة (82.000) متر مربع يحيط ويتصل بمبنى التوسعة السعودية الأولى من المسجد النبوي الشريف من النواحي الثلاث : الشمالية والشرقية والغربية . وبإضافة تلك المساحة الجديدة تصبح المساحة الإجمالية للدور الأرضي الرئيسي للمسجد النبوي الشريف بما في ذلك مساحة مبنى التوسعة السعودية الأولى وما قبلها من توسعات حوالي (98.500) مترا مربعا .
عالم المسجد النبوي
رسم يوضح البناء فوق القبور الشريفة
رسم يوضح ترتيب القبور الشريفة في الحجرة الشريفة